
الرواية القصيرة : ليلة الاعلان عن الجريمة
في قرية الصفصاف الهادئة، حيث الأسرار تتشابك كأغصان الصفصاف، يظهر إعلان مشؤوم عن جريمة قتل وشيكة. عندما تتحول النبوءة إلى حقيقة دامية تحولت من ترقب فضولي إلى رعب حقيقي بعد إعلان غامض عن جريمة قتل. عندما يسقط قتيل، يصبح كل مدعو مشتبهًا به، والمحقق يواجه لغزًا معقدًا مليئًا بالأسرار الدفينة والعلاقات المتشابكة في قلب القرية الهادئة،
ينطلق محقق لكشف شبكة من الأسرار الدفينة والدوافع الخفية بين سكان القرية المسالمين ظاهريًا، يجد المحقق نفسه أمام جريمة معقدة تكشف عن شبكة من الأكاذيب والعداوات الدفينة بين سكان القرية الذين يخفون أسرارًا قاتلة.
الفصل الأول: نبوءة في صحيفة القرية
في قلب مقاطعة ريفية إنجليزية نموذجية، حيث تتناثر المنازل الحجرية العتيقة بين حقول خضراء متموجة، وحيث يتردد صدى خرير جدول صغير يمر عبر القرية الهادئة المعروفة باسم الصفصاف الهادئة، استيقظ السكان على صباح جمعة مشمس. لكن هذا الهدوء الريفي المثالي سرعان ما تحطم بوصول جريدة "الصدى" الأسبوعية، التي حملت في طياتها إعلانًا غريبًا ومثيرًا للقلق، طُبع بحروف سوداء جريئة في الصفحة الثالثة، وكأنه نذير شؤم وسط أخبار فعاليات الكنيسة وأسعار الماشية.
«إعلان هام: سيتم ارتكاب جريمة قتل يوم السبت الخامس عشر من أبريل، في منزل السيدة إميلي مورغان، المعروف باسم "عزبة الصفصاف"، في تمام الساعة الثامنة مساءً. نرجو من الأصدقاء والجيران قبول هذا الإعلان الوحيد.»
في "عزبة الصفصاف"، وهو منزل حجري كبير ذو نوافذ مقوسة وحديقة مترامية الأطراف تنحدر بلطف نحو نهر ويندروش المتعرج، كانت السيدة إميلي مورغان، أرملة تجاوزت الخمسينيات من عمرها، تجلس في غرفة الإفطار المشرقة، تحتسي شايها الصباحي العطري وتتصفح جريدتها. كانت إميلي امرأة ذات ملامح هادئة وعينين زرقاوين واسعتين تعكسان طيبة قلبها. كانت حياتها تسير على وتيرة روتينية مريحة منذ وفاة زوجها قبل خمس سنوات، تدور بين الاهتمام بحديقتها الغناء، وقراءة الروايات الكلاسيكية، واستضافة صديقاتها المقربات لتناول الشاي وتبادل أطراف الحديث. لم تكن إميلي امرأة ذات أعداء معروفين؛ كانت شخصية محبوبة ومحترمة في مجتمع الصفصاف الهادئة.
عندما وقعت عيناها على الإعلان الغريب، تجعد جبينها الرقيق في حيرة ودهشة : "يا للهول!" تمتمت بصوت بالكاد مسموع، وكأنها تخشى أن تفسد هذا الخبر الغريب صباحها الهادئ. "جريمة قتل؟ في منزلي؟ من يظن نفسه قادرًا على فعل مثل هذا؟" لكن الكلمات المطبوعة كانت واضحة وصريحة، لا تحتمل أي تفسير آخر. لم تكن هذه مزحة رخيصة أو خطأ مطبعيًا في صحيفة محلية مغمورة، بل ظهرت في "الصدى"، الجريدة التي يثق بها سكان القرية في نقل أخبارهم.
بدأ قلب إميلي يخفق بسرعة أكبر، وشعرت ببرودة تسري في أوصالها. هل كان هذا نوعًا من الدعابة السوداء؟ لكن من في الصفصاف الهادئة يملك حسًا فكاهيًا كهذا؟ لم يخطر ببالها أي شخص على الفور. كانت حياتها هادئة ومملة إلى حد ما، خالية من أي دراما أو صراعات كبيرة. السيدة إميلي مورغان، امرأة في منتصف العمر تعيش حياة متواضعة في قرية ريفية هادئة.
أخذت رشفة طويلة من شايها الساخن، محاولةً تهدئة الأعصاب المتوترة التي بدأت تسيطر عليها، ربما كان هناك خطأ ما، خطأ في الطباعة أو في تسليم الجريدة. لكن لماذا منزلها، "عزبة الصفصاف"، هو المكان المحدد للجريمة المزعومة؟
في هذه اللحظة، دخلت الآنسة دوركاس ميدوز إلى غرفة الإفطار. دوركاس، وهي شابة في أوائل العشرينات من عمرها تتمتع بشخصية مفعمة بالحيوية والفضول الجامح، كانت ابنة الجيران الذين يملكون المزرعة المجاورة، وكانت تزور إميلي بانتظام لإضفاء بعض الحيوية على روتينها الهادئ.
"صباح الخير يا سيدة مورغان!" قالت دوركاس بصوت عالٍ ومبهج، وابتسامة مشرقة تضيء وجهها النضر، ثم توقف نظرها فجأة على الجريدة المفتوحة أمام إميلي، وعلامات الدهشة بدأت تظهر على ملامحها : "ما هذا؟" .
أشارت إميلي بإصبع مرتعش إلى الإعلان المشؤوم. قرأته دوركاس بصوت عالٍ، وعيناها الزرقاوان الواسعتان تتسعان أكثر فأكثر مع كل كلمة.
"جريمة قتل؟ في عزبة الصفصاف؟ يا له من شيء مثير!" صاحت دوركاس، ويبدو عليها الإثارة والفضول أكثر من أي شعور بالخوف أو القلق : "هل تمزحين؟ من فعل هذا؟".
"لا أعرف يا دوركاس، لا أفهم شيئًا " أجابت إميلي بصوت مهزوز يعكس ارتباكها العميق : "هل يمكن أن تكون مجرد مزحة سخيفة؟".
"مزحة؟ في 'الصدى'؟ لا أعتقد ذلك، يجب أن يكون هناك خطأ ما، أو ربما..." توقفت دوركاس عن الكلام، وعلامات التفكير العميق بدت على وجهها.
لكن بينما كانت السيدتان تتحدثان في غرفة الإفطار الهادئة، بدأت الأخبار تنتشر في أرجاء قرية الصفصاف الهادئة بسرعة البرق، سرعان ما بدأت الهواتف تدق في المنازل المتجاورة، وتوقفت المحادثات الهادئة في متجر السيد بيركنز للبقالة ومكتبة الآنسة دوبونت الصغيرة، تحولت نظرات الجيران الودودة التي كانت تتبادل في الصباح إلى نظرات حائرة ومترقبة، ممزوجة بلمسة من الإثارة غير الصحية، كانت نبوءة الموت المطبوعة قد ألقت بظلالها على القرية الهادئة، محولةً يومًا عاديًا إلى يوم مليء بالترقب والغموض.
الفصل الثاني: تجمع في العزبة
بحلول فترة ما بعد الظهر من يوم السبت المشؤوم، أصبحت "عزبة الصفصاف" بوابتها الحديدية المزخرفة التي تعلوها نباتات متسلقة قديمة وحديقتها المترامية الأطراف التي تتخللها أشجار بلوط عتيقة محور اهتمام قرية الصفصاف الهادئة بأكملها، تجمع بعض الجيران الأكثر فضولًا بالقرب من السياج الحجري الذي يحيط بالعزبة، يحاولون جاهدين إلقاء نظرة خاطفة على ما يجري بالداخل، وكأنهم يشاهدون استعدادات لعرض مسرحي غريب.
داخل جدران العزبة الحجرية السميكة، كانت السيدة إميلي مورغان تشعر بتوتر متزايد يضغط على صدرها كثقل غير مرئي، بعد محادثتها المضطربة مع دوركاس في الصباح، قررت إميلي الاتصال بالرقيب آرثر بين، رئيس مركز الشرطة الصغير في الصفصاف الهادئة، وهو رجل يتمتع بسمعة النزاهة والمنطقية، وكان صديقًا قديمًا للعائلة، وعد الرقيب بين بالتحقيق في الأمر، لكن نبرته عبر الهاتف كانت تحمل مسحة من الشك وعدم التصديق :
"جريمة قتل مُعلنة يا سيدة مورغان؟ هذا أمر غير مسبوق على الإطلاق" قال الرقيب بين بنبرة حذرة وهو يستمع إلى صوت إميلي المضطرب عبر سماعة الهاتف : "هل أنتي متأكدة تمامًا من أنك لم تقعي في أي خطأ في قراءة هذا الإعلان الغريب؟".
"أنا متأكدة تمامًا يا رقيب، لقد رأيته بنفسي، ودوركاس أيضًا كانت شاهدة على ذلك" أجابت إميلي بصوت مهزوز يعكس قلقها المتزايد.
"حسنًا يا سيدة مورغان، سأرسل دورية لإلقاء نظرة على محيط منزلك كإجراء احترازي لكنني أخشى، وبصراحة تامة، أن يكون الأمر مجرد دعابة سخيفة أو ربما سوء فهم مؤسف".
لكن إميلي لم تستطع أن تتجاهل الشعور العميق بالرهبة الذي يخالجها، شعرت وكأن ظلًا باردًا وغير مرغوب فيه قد استقر في منزلها الدافئ، مبددًا هدوءه المعتاد.
في حوالي الساعة السابعة والنصف مساءً، ومع اقتراب ساعة الصفر المعلنة، بدأ بعض الضيوف غير المتوقعين بالوصول إلى "عزبة الصفصاف"، أولهم كانت الآنسة أغنيس براون، معلمة الموسيقى المتقاعدة التي تعيش في كوخ صغير مغطى باللبلاب بالقرب من ضفة النهر. كانت أغنيس امرأة لطيفة وفضولية بشكل لا يصدق، ولم تستطع مقاومة إغراء معرفة ما سيحدث في منزل السيدة مورغان.
"يا عزيزتي إميلي! لقد قرأت الإعلان الصادم في 'الصدى'، يا له من أمر غريب ومقلق!" قالت أغنيس بصوتها الرقيق وهي تدخل إلى غرفة المعيشة الأنيقة التي تتميز بأثاثها العتيق وستائرها المخملية الثقيلة.
"لا أعرف ماذا أقول يا أغنيس، أنا في حيرة تامة مثل أي شخص آخر" أجابت إميلي بصوت مضطرب وهي تقدم لها كوبًا من الشاي المهدئ.
بعد ذلك بوقت قصير، وصل السيد جورج هيويت وزوجته، سيلفيا، كان جورج رجل أعمال ثريًا يتمتع بسمعة الرجل العملي والفضولي، بينما كانت سيلفيا امرأة اجتماعية جذابة تشتهر بحبها للإثارة والأحداث غير المألوفة.
"مساء الخير يا إميلي، لقد رأينا الإعلان الغريب، هل تتوقعين حقًا حدوث شيء ما؟" سأل جورج بنبرة ساخرة تخفي وراءها قلقًا حقيقيًا.
"لا أعرف يا جورج لكنني شعرت أنه من واجبي إبلاغ الشرطة، وكما ترى، يبدو أن الفضول غلب البعض الآخر أيضًا." أجابت إميلي بنبرة تحمل مزيجًا من الاستياء واليأس.
تبعهم الدكتور ديفيد جونز، الطبيب الوحيد في قرية الصفصاف الهادئة، وهو رجل هادئ ومتحفظ يحمل دائمًا حقيبته الطبية الجلدية القديمة، كان الدكتور جونز يتمتع بسمعة الطبيب الموثوق به لكن قلة من الناس يعرفون الكثير عن حياته الشخصية :
"مساء الخير يا إميلي، هذا الإعلان الغريب أثار قلق وهواجس الجميع في القرية" قال الدكتور جونز بنبرة قلقة وهو يتفحص وجوه الحاضرين.
كان الجو في غرفة المعيشة يزداد غرابة وتوترًا مع اقتراب الساعة الثامنة مساءً، الساعة المعلنة لوقوع الجريمة، كان الجميع يشعرون بمزيج معقد من الفضول الجامح، والخوف الخفي، والارتباك العميق، كانت نظراتهم تتبادل بين بعضهم البعض وبين ساعة الجد العتيقة التي تدق بعناد في زاوية الغرفة وكأنها تعد الدقائق المتبقية نحو مصير مجهول.
الفصل الثالث: في الظلام الدامس
عندما دقت الساعة الثامنة مساءً بدقاتها الرنانة الثماني، معلنةً ساعة الصفر المشؤومة، كانت غرفة المعيشة الأنيقة في "عزبة الصفصاف" تعج بالضيوف غير المدعوين الذين تجمعوا بدافع الفضول والقلق، كانت السيدة إميلي مورغان تقف بالقرب من نافذة كبيرة تطل على الحديقة التي غمرها ظلام الليل، وعيناها الزرقاوان الواسعتان تتنقلان بعصبية بين الوجوه المترقبة التي تضيئها مصابيح الحائط الخافتة، كانت الآنسة أغنيس براون تجلس على كرسي بذراعين مغطى بنسيج مزخرف، وعيناها الصغيرتان تلمعان بفضول شديد، وكأنها تستعد لمشاهدة فصل مثير من مسرحية، كان السيد جورج هيويت وزوجته سيلفيا يقفان بالقرب من المدفأة الرخامية البيضاء، يتبادلان نظرات ذات مغزى، وكأن لديهما معلومات خاصة، وكان الدكتور ديفيد جونز يقف في زاوية الغرفة، يبدو عليه القلق العميق وكأنه يتوقع حدوث كارثة طبية في أي لحظة.
كان الجميع ينتظرون في صمت مطبق، لكن لا شيء يحدث، مرت دقيقة صامتة وثقيلة ثم دقيقتان بداتا وكأنهما دهر، بدأ التوتر يخف قليلاً وبدأ بعض الحاضرين يتبادلون الهمسات المترددة وكأنهم يشكون في جدية الإعلان الغريب.
"ربما كانت مجرد خدعة سخيفة أو مزحة مريضة في نهاية المطاف" همس جورج هيويت لزوجته سيلفيا بنبرة تحمل مزيجًا من الراحة والازدراء.
لكن قبل أن تتمكن سيلفيا من الرد بكلمة، انطفأت الأنوار فجأة وغمر الظلام الدامس غرفة المعيشة، تبع ذلك صرخة مكتومة اخترقت الصمت المفاجئ، صرخة قصيرة ومؤلمة تبعها صوت ارتطام قوي هز أرضية الغرفة الخشبية، ساد صمت مطبق للحظة أخرى، أثقل من الظلام نفسه، ثم بدأت الأصوات تتعالى في الفوضى والارتباك.
"ما الذي حدث؟" صاح صوت مذعور في الظلام.
"أضيئوا الأنوار بسرعة! أين مفتاح الإضاءة؟" ارتفع صوت آخر يحمل نبرة الهلع.
"هل هناك أحد مصاب؟ يا إلهي، لا أرى شيئًا! " صاحت سيلفيا هيويت بصوت مرتجف.
تحسست السيدة إميلي مورغان طريقها بعصبية نحو الجدار بجوار الباب، حيث تتذكر وجود مفتاح الإضاءة، كانت يداها ترتجفان وهي تتحسس الجص البارد، أخيرًا، لامست أصابعها الصغيرة المفتاح وقامت بقلبه، عادت الأنوار، لكنها كانت خافتة وباهتة، تكفي فقط لرؤية المشهد المروع الذي تكشف أمام أعينهم.
كانت الآنسة أغنيس براون ملقاة على الأرض بجوار المدفأة الرخامية، في وضع ملتوي غير طبيعي، كانت هناك بقعة حمراء داكنة تنتشر ببطء على فستانها الصوفي الرمادي، كانت ميتة.
ساد الذهول للحظات طويلة وثقيلة، ثم انفجر الجميع في صرخات الرعب والارتباك، كانت سيلفيا هيويت أول من استعاد وعيها تمامًا، ووجهها شاحب وعيناها متسعتان بالصدمة.
"يا إلهي! لقد حدث بالفعل!" صرخت وهي تشير بيد مرتعشة إلى الجثة الملقاة على الأرض :"جريمة قتل! لقد قُتلت الآنسة براون!".
كانت السيدة إميلي مورغان تشعر بالصدمة والرعب العميقين، لم تستطع أن تصدق ما تراه عيناها، جريمة قتل في منزلها الهادئ، جريمة قتل مُعلنة، لكن الضحية لم تكن هي، بل معلمة الموسيقى اللطيفة التي جاءت بدافع الفضول.
في هذه اللحظة الحاسمة، دخل الرقيب آرثر بين إلى الغرفة ومعه اثنان من رجال الشرطة الذين وصلوا على الفور بعد تلقي مكالمة هاتفية مذعورة من أحد الجيران الذي رأى تجمعًا غير معتاد للناس في "عزبة الصفصاف"، كان الرقيب بين يبدو أكثر جدية بكثير الآن، ووجهه خالٍ من أي أثر للشك الذي أبداه في وقت سابق.
"حسنًا يا سيدة مورغان" قال الرقيب بين بنبرة حازمة وهو ينظر إلى الجثة الملقاة على الأرض، ثم يتفحص الوجوه الشاحبة للحاضرين : "يبدو أن الأمر لم يكن مجرد دعابة سخيفة أو سوء فهم مؤسف كما ظننت في البداية" .
الفصل الرابع : شبكة من الأسرار
بدأ التحقيق على الفور في غرفة المعيشة المضاءة بشكل خافت في "عزبة الصفصاف"، قام الرقيب آرثر بين ورجاله على الفور بتأمين مسرح الجريمة بشريط أصفر، وبدأوا في استجواب الشهود المذعورين، كانت كل إجابة تثير المزيد من الأسئلة المحيرة، وكل شاهد يبدو أنه يخفي خلف كلماته المرتجفة سرًا دفينًا.
كان أول سؤال للرقيب بين هو تحديد هوية الضحية، لم يكن هناك شك في أنها الآنسة أغنيس براون، معلمة الموسيقى اللطيفة التي عرفها الجميع في القرية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: لماذا هي؟ لماذا قُتلت في منزل السيدة مورغان في الليلة التي أُعلن فيها عن وقوع جريمة قتل؟.
بدأ الرقيب بين باستجواب السيد جورج هيويت، رجل الأعمال الثري الذي كان حاضرًا في الغرفة، كان جورج يتمتع بسمعة الرجل المستقيم والناجح، لكن خلال الاستجواب، ظهرت بعض التناقضات الطفيفة في أقواله، مما أثار شكوك الرقيب بين، تبين أن جورج كان يواجه بعض المشاكل المالية التي لم يعلن عنها علنًا، وأن الآنسة براون بفضولها المعهود، ربما تكون قد علمت ببعض هذه التفاصيل.
بعد ذلك، استجوب الرقيب بين السيدة سيلفيا هيويت، زوجة جورج، وهي امرأة اجتماعية جذابة كانت تبدو أكثر إثارة من خوفًا، كانت سيلفيا معروفة في القرية بعلاقاتها المتعددة وشائعات حول ماضيها الغامض قبل زواجها من جورج، خلال استجوابها، بدت سيلفيا متوترة ومراوغة وتجنبت النظر مباشرة في عيني الرقيب بين.
الدكتور ديفيد جونز، طبيب القرية الهادئ والمتحفظ، كان الشاهد التالي. كان الدكتور جونز يتمتع بسمعة الطبيب الموثوق به، لكن الرقيب بين اكتشف أنه كان مدينًا بمبلغ كبير من المال للآنسة براون، وهو دين كان الدكتور جونز يحاول إخفاءه عن الجميع، هل كان هذا الدافع وراء الجريمة؟
أما السيدة إميلي مورغان، صاحبة المنزل، فكانت تبدو صادقة ومصدومة، لكن الرقيب بين لم يستطع تجاهل حقيقة أن الجريمة وقعت في منزلها، وأن الإعلان الغريب كان موجهًا إليها في المقام الأول، خلال استجوابها، كشفت إميلي عن علاقة سرية كانت تربطها بشخص من خارج القرية، وهو شخص لم تره منذ سنوات طويلة، لكن عودته المفاجئة إلى حياتها قبل فترة وجيزة أثارت المزيد من التساؤلات.
مع تقدم التحقيق، اكتشف الرقيب بين أن الآنسة أغنيس براون لم تكن مجرد معلمة موسيقى لطيفة وفضولية، كانت لديها عادة جمع معلومات عن سكان القرية، وكانت تحتفظ بمذكرات مفصلة تسجل فيها ملاحظاتها وشائعاتها، يبدو أنها كانت على وشك الكشف عن سر كبير قد يؤثر على حياة الكثيرين في الصفصاف الهادئة، هل كانت جريمة قتل الآنسة براون محاولة يائسة لإسكاتها قبل أن تكشف هذا السر؟.
ظهرت رسائل مجهولة المصدر تصل إلى بعض الشهود، تحمل تهديدات مبطنة وتحذيرات غامضة، تم العثور على أدلة مضللة في مسرح الجريمة، أشياء صغيرة تم وضعها بعناية لتوجيه الشبهات نحو أشخاص معينين، ظهرت شخصيات جديدة ذات صلة بالضحية والشهود، أشخاص لم يكونوا حاضرين في "عزبة الصفصاف" ليلة الجريمة، لكن لديهم دوافع محتملة، تكشفت عن عداءات قديمة طال أمدها، وديون مخفية ظلت طي الكتمان لسنوات، وعلاقات محرمة كانت تهدد بتقويض سمعة بعض سكان القرية المحترمين.
الرقيب بين، برباطة جأشه وذكائه الهادئ، بدأ في تجميع قطع الأحجية المتناثرة، كان يلاحظ التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو غير مهمة للآخرين، ويستمع بعناية إلى التناقضات الدقيقة في أقوال الشهود، ويحاول فهم الدوافع الخفية التي تحرك أفعالهم، كان يعلم أن القاتل موجود بينهم، يختبئ خلف قناع من الهدوء والإنكار، وأن الكشف عن الحقيقة سيتطلب صبرًا ومثابرة وفهمًا عميقًا لطبيعة النفس البشرية المعقدة.
الفصل الخامس: ليلة الكشف عن القاتل
في ليلة عاصفة هوجاء، بينما كانت الرياح تعوي كذئب جريح حول جدران "عزبة الصفصاف" العتيقة، وتتساقط الأمطار الغزيرة على النوافذ الزجاجية الكبيرة كدموع سماوية سوداء، جمع الرقيب آرثر بين جميع المشتبه بهم المتبقين في غرفة المعيشة نفسها التي شهدت النهاية المأساوية للآنسة أغنيس براون، كان الجو مشحونًا بتوتر خانق، حيث كانت الشكوك تترسب في الهواء كثقل غير مرئي، جلست السيدة إميلي مورغان على كرسي بذراعين مغطى بنسيج باهت، وجهها شاحبًا وعيناها الزرقاوان الواسعتان تحملان نظرة من الإرهاق والترقب المرير، كان السيد جورج هيويت يقف بالقرب من المدفأة الرخامية الباردة، يبدو عليه العصبية والقلق المتزايدين، بينما كانت زوجته سيلفيا تجلس على الأريكة المخملية، تحاول جاهدة الحفاظ على مظهرها الهادئ والمتماسك، لكن عينيها الزمرديتين كانتا تلمعان ببريق قلق خفي لا يخفى على نظرة الرقيب الفاحصة، أما الدكتور ديفيد جونز فكان يقف في زاوية الغرفة، يبدو عليه الانكماش واليأس العميقين وكأنه ينتظر حكمًا لا مفر منه.
بدأ الرقيب بين حديثه بصوت هادئ ولكنه حازم، يقطع صمت العاصفة التي تجتاح الخارج، استعرض بعناية الأدلة التي جمعها خلال الأيام القليلة الماضية، محللاً التناقضات الدقيقة في أقوال الشهود، ومفسرًا الأدلة المادية التي تم العثور عليها في مسرح الجريمة والمناطق المحيطة بها، وكاشفًا عن الروابط الخفية التي بدأت تتكشف تدريجيًا بين الضحية والمشتبه بهم. ثم وصل إلى النقطة الحاسمة، كاشفًا عن الدافع الحقيقي وراء الجريمة، وعن الشخص الذي كان لديه أكثر ما يخسره إذا تم الكشف عن السر الكبير الذي كانت الآنسة براون على وشك نشره في مجتمع الصفصاف الهادئة المحافظ :
"لقد تبين لي، بعد تجميع كل قطعة صغيرة من هذه الأحجية المعقدة، وبعد تحليل دقيق لطبيعة الضحية وعلاقاتها بكم جميعًا، أن الشخص المسؤول عن وفاة الآنسة أغنيس براون ليس سوى..." توقف الرقيب بين للحظة، ونظر مباشرة إلى وجه واحد في الغرفة، وجه بدا للحظات وكأنه يتهاوى تحت وطأة نظراته الثاقبة واكمل : "... السيدة سيلفيا هيويت" .
انتشرت همسات الصدمة والدهشة في أرجاء الغرفة. سيلفيا هيويت، الزوجة الأنيقة والاجتماعية التي كانت دائمًا مثالًا للرقي والهدوء، بدت وكأنها آخر شخص يمكن أن يشتبه به أحد في ارتكاب مثل هذه الجريمة البشعة، حتى جورج هيويت نفسه بدا وكأنه تلقى ضربة قوية وعلامات الذهول ارتسمت بوضوح على وجهه.
تابع الرقيب بين شرحه الهادئ والمنطقي : "لقد تبين أن السيدة هيويت كانت تخفي سرًا عميقًا ومُخجلًا يتعلق بماضيها قبل زواجها من السيد هيويت، قبل سنوات عديدة، وقبل أن تستقر في الصفصاف الهادئة وتتزوج من السيد هيويت الثري والمحترم، كانت سيلفيا على علاقة عاطفية بشخص آخر، لم يكن هذا الشخص من طبقتها الاجتماعية، وكانت العلاقة محاطة بظروف غير تقليدية وربما مُدانة في نظر مجتمع القرية المحافظ" .
أضاف الرقيب بين : "لسوء حظ السيدة هيويت، اكتشفت الآنسة براون بفضولها الذي لا يهدأ وعادتها في تجميع خيوط حياة الآخرين، تفاصيل هذه العلاقة الماضية، ربما عثرت على رسائل قديمة، أو سمعت شائعات من الماضي البعيد، أو ربما ربطت بعض الأحداث والتواريخ بذكائها الحاد، لقد أدركت الآنسة براون أن كشف هذا السر يمكن أن يدمر سمعة السيدة هيويت وزواجها الهش ظاهريًا" .
"كانت الآنسة براون، بطريقتها المباشرة أحيانًا، قد بدأت بالفعل في الإشارة إلى معرفتها بـ 'أسرار الماضي' في محادثاتها مع السيدة هيويت، كانت سيلفيا يائسة وخائفة من انكشاف هذا الماضي الذي سعت جاهدة لدفنه، ولم ترَ طريقة أخرى لإسكات الآنسة براون ومنعها من كشف هذا السر المدمر سوى اللجوء إلى فعل يائس وعنيف" .
كشف الرقيب بين عن الدليل الدامغ الذي يدين سيلفيا : "لقد عثرنا على رسالة مُخبأة بعناية في مكتب الآنسة براون، رسالة لم تُرسل بعد، موجهة إلى صديقة قديمة لها خارج القرية، في هذه الرسالة، ذكرت الآنسة براون بوضوح أنها اكتشفت 'سرًا مظلمًا' يخص السيدة هيويت، سرًا يتعلق بعلاقة عاطفية سابقة يمكن أن تهز أركان المجتمع المحلي. لقد ذكرت تفاصيل كافية في الرسالة لتأكيد معرفتها".
عندما واجهها الرقيب بين بهذا الدليل القاطع، انهارت سيلفيا هيويت، تلاشى قناع الهدوء الذي كانت ترتديه طوال الوقت، وظهرت ملامح الذعر واليأس على وجهها الشاحب، اعترفت بجريمتها بصوت خافت ومتقطع، كاشفة عن مدى خوفها ورعبها من انكشاف ماضيها الذي كانت تحاول جاهدة إخفاءه.
في النهاية، تم اعتقال سيلفيا هيويت، وغادر رجال الشرطة "عزبة الصفصاف" بصحبة المرأة التي كانت حتى وقت قريب جزءًا من النخبة الاجتماعية في القرية، عاد الهدوء إلى الصفصاف الهادئة، لكنه كان هدوءًا مثقلًا بالصدمة والخيبة، لقد كشفت هذه الجريمة البشعة عن الوجه المظلم المختبئ خلف المظاهر الأنيقة والاجتماعية، وتركت وراءها تساؤلات مؤلمة حول حقيقة الأشخاص الذين كنا نعتقد أننا نعرفهم جيدًا.
السيدة إميلي مورغان شعرت بالارتياح لانتهاء الكابوس الذي حل بمنزلها، لكنها أدركت أن الثقة التي كانت أساس العلاقات في القرية قد تضررت بشدة، جورج هيويت واجه حقيقة مروعة عن زوجته وبدأ للتو في استيعاب الخيانة العميقة التي تعرض لها، أما الرقيب آرثر بين فقد أضاف هذه القضية المعقدة والمأساوية إلى سجلاته، كتذكير دائم بأن الأسرار يمكن أن تكون قاتلة، وأن الماضي دائمًا ما يملك طريقة للعودة ومطاردة الحاضر، حتى في أكثر المجتمعات هدوءًا واستقرارًا.